محبة الاقارب لا محاباتهم

المحبة مشتق من الجذر حب يحب حبا ومحبة بمعنى المودة والتعاطف على الاخر. فالمحبة شعور عاطفي لا ادنى لها ولا اقصى لحدودها. يقول الإمام القشيريّ رحمه الله:” لا توصف المحبّة بوصف، ولا تحدّد بحدٍّ أوضح ولا أقرب إلى الفهم من المحبّة، والاستقصاء في المقال عند حصول الأشكال، فإذا زاد الاستعجام والاستبهام سقطت الحاجة إلى الاستغراق في شرح الكلام “.
والمحبة رحمة الله للعالمين, فلا وجود ولا استقرار للحياة بدونها, كما قال قائل “الحب تجربة حية لا يعانيها الا من يعيشها”. للمحبة اشكال والوان, منها محبة الاقارب من اب وام واجداد واخوان واخوات واعمام وعمات واخوال وخالات وابناءهم ومحبة الاصدقاء ومحبة الرجل او المرأة وما الى ذلك. ولكن ما يهمنا هنا هي محبة الاقارب والاصدقاء. اذ ان محبتهم وبرهم امر واجب على كل مسلم على قدر استطاعته. فقد ذكر القران في اكثر من أية مكانة الاقارب وواجبنا تجاههم وتفضيلهم في اعطاء حق الزكاة. قوله تعالى: “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتمى والمسكين …” [النساء: 36] اقترن الاقارب (القربى) باليتمى والمساكين بل واكد فضيلتهم بذكره قبل الايتام والمساكين. وفي اية اخرى

“ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..” [النحل: 90] قال الامام القرطبي : ” قوله تعالى : وإيتاء ذي القربى أي القرابة ; يقول : يعطيهم المال كما قال وآت ذا القربى حقه يعني صلته . وهذا من باب عطف المندوب على الواجب ، وبه استدل الشافعي في إيجاب إيتاء المكاتب ، على ما يأتي بيانه . وإنما خص ذا القربى لأن حقوقهم أوكد وصلتهم أوجب ; لتأكيد حق الرحم التي اشتق الله اسمها من اسمه ، وجعل صلتها من صلته ، فقال في الصحيح : أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك . ولا سيما إذا كانوا فقراء “. [تفسير القرطبي:125]

من هنا تتجلى مكانة الاقارب في القلوب ولكل منا اقرباء واصدقاء نشفقهم ونحبهم. ولكن المحبة موضوع والمحاباة موضوع اخر. احذر ان تلتبس في معنى كليهما لاشتباههما في المبنى. فما هي المحاباة؟

المحاباة مصدر من (ح ب و) معناه اللغوي التساهل, التسامح و التحايز. ومحاباة الاقارب باختصار هو تفضيل الاقارب او الاصدقاء الشخصيين بسبب قرابتهم وليس كفاءتهم, تظهر غالبا في تولي المناصب او الحصول على الوظائف. بالانجليزية هي nepotism اصل الكلمة لاتيني مشتقة من كلمة neposالتي تعني ابن الاخ او الاخت. وقد المح بعض علماء الاحياء بان الميل نحو محاباة الاقارب امر غريزي وشكل من اشكال انتقاء الاقارب. ولكن هذا القول لا يرد الحفيفة ان محاباة الاقارب في غالب الاحيان صورة من صورالظلم, وانتهاك لحقوق الاخرين, وقد شهد المجتمع الانساني منذ العصر الملكي الى الان الاثار السلبية التي تنتج من محاباة الاقارب. فتسليم المناصب والقوة الى غير المتخصصين والمؤهلين لذلك ادت الى خراب المجتمع وضعف الحكومة ودمار الدولة.

ولعل اقرب مثال لذلك هو ما حدث في اندونيسيا تحت رئاسة الرئيس “سوهارتو”. فقد كان يختار اقربائه واصدقائه من الجيش لتولي المناصب المهمة والاستراتيجية في البلاد. لا ننكر ان الكثير منهم مؤهلون لذلك ومختصون في ذلك المجال, ولكن هذه العلاقة العائلية الوطيدة ادت في النهاية الى الخسران المبين للدولة. عندما فشت قضية الفساد (korupsi)في الحكومة, عسر على الرئيس سوهارتو القبض على فاعليه والقضاء عليهم لان كبار المسؤولين من بني حمومته وعمومته, يتاآمر احدهم مع اخيه لارتكاب الجريمة والاخر مع اخيه الاخر ختى تشكلت شبكة ضخمة متشابكة كبيت العنكبوت لا يمكن تفتيتها بسهولة. وهذا الفشل الكبير للقضاء على الفساد بسبب محاباة الاقارب وكثرة الرشوة ادى الى الازمة الدولية في المجال الاقتصادي مما يترتب على ذلك نكسة في التربية والمجتمع والسياسة.

هناك العديد من صور محاباة الاقارب في العالم شهدها التاريخ ولكن تنتج نفس النتيجة وهي نتيجة سلبية, إما دمار او حرب. نذكر مثال اخر ما وقع في خلافة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه, حيث عين رجالا من قبيلته لتولي المناصب العظيمة كامير او قاض. يرجع ذلك السبب كما ذكره المؤرخون للحفاظ على استقرار الدولة الاسلامية بعد توسعتها, فسلم منصب الامراء لمن وثقه من اقرباءه وهو مؤهل لذلك بدل ان يعين رجلا لا يثق به. وغلا بعض العلماء في الدفاع عنه رضي الله عنه وقالوا بأن محاباة الاقارب ليس بحرام ما دام القريب او الصديق مؤهل لذلك ومستوف للشروط.

نستنتج من هذه الامثلة ان محاباة الاقارب لا تلزم فقط المجتمع الغربي , بل حتى المجتمع الاسلامي قديما وحديثا. ومن المؤسف ان محاباة الاقارب في الواقع الحاضر لا تظهر فقط في السياسة والحكومة بل تبسطت وتعمقت في كل مجال الحياة. في المجال الصحي, الاقتصادي, التربوي, صغارا وكبارا. مثال في الجمعيات الطلابية والاتحاد الط
لابي في المدارس الجامعات, نجد ان الرئيس يعين اصدقاءه اما لقربهم به او كونهم خريجين من نفس المعهد او المدرسة, او من نفس القبيلة والاصل. ونجد في المجال التربوي ان طالبا حصل على درجة امتيز او نجح في الولوج الى الجامعة او حصل على وظيفة دون ان يجتاز الاختبار المشترط عن طريق الرشوة او محاباة احد اقرباءه له, تجد انه ابن فلان ذو منصب عليا في الحكومة او في الحزب السياسي او في الجامعة او في الشركة او كونه ابن معلمه وشيخه. فالشخص لا يحصد ثمرة النجاح لكفاءته وتميزه ولكن لانه ابن ابيه او بنو قرابته. حتى وان كان مؤهلا لذلك بكونه ذكي وماهر, ولكن اذا سلك هذه الطريقة فقد انتهك حق الاخرين. فمحبة الاقارب امر محمود ومطلوب ومحاباتهم امر مذموم ومرغوب عنه. والله اعلم.

المصادر :

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9

http://www.referensimakalah.com/2012/12/pengertian-nepotisme.html

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2085&idto=2085&bk_no=48&ID=1515

https://junaidimuadzin.wordpress.com/2009/07/02/konsep-nepotisme-menurut-hukum-islam-dan-hukum-positif-di-indonesia/

“لا اقصد بهذا الا الخير. اللهم فاشهد”

وئام احمد عفيفي صالح

طالبة في سلك الاجازة

جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

Tag Post :
Karya,Minggu-an Menulis,Slider,Ver

Bagikan Artikel ini

Tinggalkan Balasan

Alamat email Anda tidak akan dipublikasikan. Ruas yang wajib ditandai *